يقتصر كتاب “المغازي” للواقدي على الفترة المدنية، ويتمشى بدقة أكثر من ابن إسحاق مع مدرسة المدينة في المادة والأسلوب؛ فهو منتظم ومنطقي في تناول مادته؛ إذ يعرض أولًا الإطار الموضوعي، ثم يعقبه بذكر التفاصيل، ويبدأ بقائمة لمصادره الأساسية، وبقائمة بمغازي الرسول وتواريخها، وحين يذكر الغزوات التي قادها الرسول يورد أسماء أمراء المدينة في غيابه، ثم يتناول تواريخ الغزوات واحدة بعد الأخرى حسب تسلسلها التاريخي، ويبدي اهتمامًا خاصًّا بالتواريخ. وهو في أسلوبه أكثر دقةً من ابن إسحاق في استعمال الإسناد، وفي تحقيق الحوادث، وفي نظرته للشعر؛ إذ إنه يقتبس منه باعتدال، وفي نظرته النقدية في زيارته لمواقع المعارك ليكمل منها مادته، وفي تمحيصه للمواد التي وصلته، وفي بحثه عن وثائق جديدة، وفي إعداد قوائم للمشاركين في الغزوات، حتى جاء منها بمجموعة طيبة، ويكثر الواقدي من الإشارة إلى الآيات القرآنية المتصلة بالحوادث، وفي الحالات المهمة يذكر الآياتِ ملحقة برواياته؛ كحديثه عن بدر وأُحد والخندق، والواقدي صريح في رواياته، وقام الواقدي بدراسة التاريخ الإسلامي، فكتب كتبًا عن مواضيع مهمة، مثل: الردة، ويوم الدار، وصاحب كتاب التاريخ الكبير الذي يتناول تاريخ الخلفاء. وللواقدي عناية بالضبط التاريخي للوقائع والغزوات، كما أنه يعتني بذِكر الرجال الذين لهم إسهامات معينة في الغزوة؛ من إنفاق وبذل، أو مشورة ورأي، أو موقف بطولي، ويذكر الأسرى، وكذلك الشهداء من المسلمين، والقتلى من الكفار، ويرتبهم على حسب قبائلهم، كما ذكَر أسماءَ كل من اشترك في بدر من المسلمين إظهارًا لفضلهم ومكانتهم. وقد تقدم الواقدي خطوة على منهج ابن إسحاق، في الابتعاد عن طريقة المحدثين، وعدم الالتزام بالأسانيد وألفاظ الرواة، وصاغ المغازي في نسق واحد مترابط الأحداث في أسلوب قصصي واضح العبارة، مما يسَّر حفظها على عامة الناس، وهذا المنهج جيد لو كان الواقدي نفسه من الثقات، ولو أنه لم يخلط في مصادره بين الثقات وغيرهم.
اضغط على إحدى أسماء أدوار النشر التالية لعرض روابط القراءة والتحميل الخاصة بها: