إنّ هذا الكتاب الذي اشتهر بعنوان “الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي”، وطُبع مرّات باسم “الداء والدواء”، من أنفع الكتب في تهذيب النفوس، واستثارتها للكفّ عن المعاصي والتوبة النصوح. وقد أُفرِد لمعالجة مرض من أخطر أمراض القلوب، “مخالف لسائر الأمراض في ذاته وأسبابه وعلاجه، وإذا تمكّن واستحكم عزّ على الأطبّاء دواؤه، وأعيا العليلَ داؤه”. وهو مرض العشق الذي قال فيهالشاعر: الحبُّ داءٌ عُضالٌ لا دواءَ له … يَحارُ فيه الأطبّاءُ النَّحاريرُ. قد كنتُ أحسَب أنّ العاشقين غَلَوا … في وصفه فإذا بالقوم تقصيرُ. ومؤلّفه من أطبّاء القلوب البارعين الذين لا يرجعون في مداواتهم لأمراض القلوب إلى حكماء اليونان، وإنّما يصدرون عن كتاب الله الحكيم، الذي فيه هدى وموعظة وشفاء لما في الصدور، وسنّةِ رسول الله الذي إنّما بُعِث لتعليم الناسِ الكتابَ والحكمةَ، وإصلاح عقيدتهم وسلوكهم، وتزكية نفوسهم، وهدايتهم لمراشد الأمور، فكانت الجماعة التي تخرّجت على يديه خير أمّة أخرجت للناس، لم يُعرف في التاريخ البشري لها نظير. وكان أصل الكتاب استفتاء ورد على المؤلف، فسئل عن رجل ابتلي ببلية إن استمرّت به أفسدت دنياه وآخرته، وقد اجتهد في دفعها عن نفسه بكل طريق، فما تزداد إلاّ توقدًا وشدّةً. ونظر المجيب إلى الحالة المستعصية، وعموم البلوى، فرأى أنّ التفصيل أولى في هذا المقام من الإيجاز، ومقتضى النصح للسائل والشفقة عليه وعلى أمثاله أن يستوعب القول في أسباب المرض وعواقبه الوخيمة، وأن يرشد إلى طرق الوقاية وسبل الخلاص. فكتب فصولًا نفيسة في الدعاء وشروط قبوله والأسباب المانعة من ترتّب أثره، وفي الفرق بين حسن الظنّ بالله والاغترار برحمته، وفي أضرار المعاصي وآثارها في حياة الأفراد والأمم وعقوباتها في الدنيا والآخرة، وحقيقة التعبد لله والإشراك به، والسرّ في كون الشرك لا يغفر من سائر الذنوب، ومضادّة عشق الصور للتوحيد، ومفاسده الأخرى العاجلة والآجلة، وهكذا أصبح الجواب عن ذلك السؤال كتابًا مفصلًا.
اضغط على إحدى أسماء أدوار النشر التالية لعرض روابط القراءة والتحميل الخاصة بها: